جنيف في 29 مارس-آذار 2025
تلقّت جمعيّة ضحايا التعذيب في جنيف بازدراء كبير قرار الحكومة التونسية سحب إمكانية اللجوء إلى المحكمة الأفريقية للأفراد والمنظمات غير الحكومية، وذلك عبر سحب إعلانها بموجب المادة الرابعة والثلاثين -الفقرة السادسة منها- من البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. إذ أنّ الحكومية التونسيّة بقرارها الأرعن هذا ستقطع الطّريق أمام الأفراد والمنظمات غير الحكومية، التي تتمتع بصفة مراقب أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، من رفع قضايا مباشرة ضدّها، أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بعد سنة من تاريخ الإعلام بهذا القرار. أي بعد 7 مارس-آذار 2026.
ولئن لم يفاجئ القرار جمعية ضحايا التعذيب في جنيف، التي وقفت على حجم الردّة الحاصلة في مجال الحريات في تونس منذ انقلاب 25 جويلية-يوليو 2021 وما يحصل من تجريف ممنهج للديمقراطيّة ومؤسساتها الوليدة، فإنّه يمثّل انتكاسة جديدة وخطيرة لجهود المساءلة في قضايا حقوق الإنسان وينمّي مناخات الشعبويّة المفلسة و يغذّي خطابات الكراهية وتخوين المعارضين لسياسات الانقلاب ونهج التفرّد بإدارة البلاد ومؤسساتها.
علما أن الدولة التونسية انضمت إلى البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يوم 5 أكتوبر-تشرين الأوّل 2007. وفي 2 جوان-يونيو 2017، أودعت تونس إعلانًا بموجب المادة 34-الفقرة السادسة منها- من البروتوكول، وافقت بموجبه على اختصاص المحكمة في تلقي شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان من الأفراد والمنظمات غير الحكومية الحاصلة على صفة مراقب أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
كما تعتبر جمعيّة ضحايا التعذيب في جنيف قرار سلطة الامر الواقع الأخير قرارا عقابيّا منها ضدّ المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على جهودها في فضح انتكاسة حقوق الإنسان في تونس منذ انقلاب 2021، و على جرأتها في إصدار أحكام تنتصر للديمقراطية المغتصبة في تونس. وهنا يجدر التذكير بالأحكام القضائيّة التاريخيّة التي أصدرتها المحكمة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب ضدّ سلطة الأمر الواقع في تونس وأهمّها:
- حكم قضائي صادر في شهر سبتمبر-أيلول 2022، والذي أمر بإلغاء المراسيم الرئاسية رقم 117 و 69 و 109 ، في الذكرى الأولى لصدورها. كما حكمت المحكمة الافريقية بالعودة إلى النظام الدستوري خلال عامين وإنشاء محكمة دستورية مستقلة في نفس الفترة.
- حكم سنة 2024 بإلغاء المـرســوم عدد 11 لسنة 2022 مؤرّخ في 12 فيفري-فبراير 2022 يتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء والذي تمّ بموجبه حلّ المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمنتخب ديمقراطيّا وتعويضه بمجلس أعلى للقضاء معيّن وخاضع للسلطة التنفيذية.
- حكم، خلال شهر أوت-أغسطس 2023، باتخاذ تدابير عاجلة لضمان حصول المعتقلين السياسيين على الرعاية الطبيّة والمشورة القانونية، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم، والكشف الكامل عن الأسس القانونية لاحتجازهم نظرًا للقلق بشأن أوضاعهم الصحية وحقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة. .
- حكم صادر في أكتوبر-تشرين الأوّل 2024 يأمر بتعليق العمل بالمرسوم عدد 35 الذي يسمح للرئيس بعزل القضاة بشكل تعسفي، والأمر الرئاسي رقم 516 الذي أعفى 57 قاضياً من مناصبهم، لاعتبارهما يشكلان تهديًدًا لاستقلالية القضاء والقضاة.
إن جمعيّة ضحايا التعذيب في جنيف وإذ تؤكّد استهجانها وانزعاجها من هذا القرار على وضع الضحايا في تونس ومستقبل تظلّمهم الافريقي والدّولي فإنّها:
- تجدد الدعوة للمنظمات الحقوقية داخل تونس وخارجها لمزيد الضغط على سلطة الأمر الواقع في اتجاه وقف الانحدار القانوني والمؤسساتي وفضح انتهاكاتها الجمّة لحقوق الإنسان.
- تحمّل سلطة الأمر الواقع في تونس تبعات هذا القرار على مكانة تونس الحقوقية واستتباعاته الدبلوماسية والقضائية الدولية.
- تذكّر سلطة الأمر الواقع في تونس أن انسحابها من المعاهدات الافريقية والدّولية لم يخلي ساحتها ومسؤوليها الفاشلين من المتابعات القضائية الدولية.
الرئيس عبد الناصر نايت ليمان
