جنيف في 3 ماي-مايو 2025
أصدرت الدائرة الجنائيّة الخامسة المتخصّصة في النّظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة تونس الابتدائية أمس الجمعة 2 ماي-مايو 2025 أحكامها الإبتدائيّة في ما بات يعرف “بقضية التسفير إلى بؤر التوتّر” والتي تشمل قيادات أمنيّة سابقة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريّض. وقد تراوحت الأحكام السجنيّة المصرّح بها بين 18 و 36 سنة سجنا مع إخضاع المتهمين للمراقبة الإدارية لمدة 5 أعوام كاملة.
ولئن خلا الملف القضائيّ المذكور من أي قرائن أو شهادات أو وقائع ماديّة تُدين السيّد علي العريّض، رئيس الحكومة التونسيّة الأسبق (مارس-آذار -2013 فيفري-فبراير 2014) والقيادات الأمنيّة المدانة فإنّ مجريات التحقيق في القضية الذي بدأ في الأشهر اللاحقة لانقلاب 25 جويلية-يوليو 2021 وما رافقها من سيطرة مطلقة لسلطة الانقلاب على الصلاحيات القضائيّة بدءا بحلّ البرلمان الشّرعي المنتخب وعزل عشرات القضاة وحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي المنخب وتأميم قضاء النيابة العمومية لفائدة سلطة الأمر الواقع، كانت تشير منذ البداية إلى أنّ الأمر كان أبعد ما يكون عن المعالجة القضائيّة السّليمة لملف ظلّ ضحيّة شحن الإعلام المعادي للثورات العربيّة، وكان بائنا للعيان أنّ سلطة الانقلاب بصدد القيام بتصفية سياسيّة لخصومها عبر توظيف “القضاء الوظيفة”.
إنّ جمعيّة ضحايا التّعذيب في جنيف، وإذ تجدّد عدم اعترافها بالأحكام القضائيّة الصادرة في ملفّ “التسفير إلى بؤر التوتّر” وما سبقه من ملفات “انستالينغو” و”التآمر على أمن الدّولة 1″ وغيرها من الأحكام الانتقاميّة الصادرة في حق الصحفيين والإعلاميين والمدوّنين المناوئين لسلطة الانقلاب ومؤسساتها الشعبويّة المسقطة فإنّها:
- تلفت نظر الرّأي العام داخل تونس وخارجها بأنّ ما يسمّى بمحاكمة ملف “التّسفير إلى بؤر التوتّر” قد تمت في غياب أدني شروط المحاكمة العادلة ومقوّماتها الإجرائيّة، ومنها إجراء محاكمة غيرعلنيّة للمتهمين وعن بعد، دون توفّر أدني مبرّر لذلك سوى حرمانهم من حق الدفاع عن أنفسهم بحضور العموم.
- تشير إلى أنّ السيد علي العريض، رئيس الحكومة الأسبق و وزير الدّاخلية الأسبق، أتهم في القضيّة من دون سائر بقيّة وزراء الدّاخليّة الذي تعاقبوا على إدارة الدّاخليّة قبل الثورة وبعدها، بل إنّ السيّد علي العريّض هو الوزيرالذي بادر بتصنيف “تنظيم انصار الشريعة”، تنظيما إرهابيّا منذ سنة 2012، وهو من بادر بتفعيل استشارة S17 ومنع سفر الشباب التونسي الذي لم يبلغ سِنّ الثلاثين الى بلدان الشرق الأوسط، كإجراء احتياطي للحيلولة دون التحاق بعضه ببؤر التوتر.
- تؤكّد إدانتها الشديدة للمسار السياسي الذي تتمّ فيه تصفية كل رموز الحركة الديمقراطية والطبقة السياسية المناهضة للانقلاب وعدم اعترافها بأيّ أحكام قد تصدر في شأن القضايا السياسية التي تشمل سياسيين أو حقوقيين أو صحفيين.
- تذكّر سلطة الانقلاب في تونس و قضاة الوظيفة القضائيّة الذين تخصّصوا في ارتكاب مجازر قضائيّة غير مسبوقة في حق العدالة وفي حقّ السياسيين، أنّ سيف العدالة طائلهم ولو بعد حين وأن جمعيّة ضحايا التّعذيب ماضية في ملاحقة الانقلاب ورموزه وأدواته القضائيّة والإعلاميّة أمام المحاكم والمؤسسات الدوليّة الحقوقيّة.