في خطوة قانونية غير مسبوقة، نظّمت جمعية ضحايا التعذيب – جنيف (AVTT) بالشراكة مع اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس (CRLDHT) ندوة صحفية تحت عنوان:
“الرهانات القانونية والديمقراطية في تونس: مواطنون يلجؤون إلى العدالة الدولية”، وذلك يوم الأربعاء 18 جوان 2025 في النادي السويسري للصحافة بجنيف.
أدار الندوة الصحفية الصحفية زينة الماجري، وشارك فيها المحامي والخبير القانوني الأستاذ إبراهيم بلغيث، وهو محام معتمد لدى محكمة التعقيب التونسية، المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والمحكمة الجنائية الدولية.
إعلان دعاوى دولية ضد انتهاكات حقوق الإنسان في تونس
شكّلت الندوة مناسبة للإعلان عن إيداع شكايتين أمام آليّات دولية أساسية:
- مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
- المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
وقد تقدّم بالشكايتين عدد من النشطاء والسياسيين والمحامين التونسيين، من بينهم:
كمال الجندوبي، أحمد معالج، أسامة الخليفي، رضا دريس، عادل الماجري، وآخرون، بهدف فضح الانتهاكات الجسيمة التي رافقت الانتخابات الرئاسية التي جرت في تونس يوم 6 أكتوبر 2024، والتي شابتها تجاوزات خطيرة طالت مبدأ سيادة القانون، وحقوق المشاركة السياسية، وحق التقاضي، وحرية التعبير.
محاور ثلاث: مناخ سياسي خانق، تشريعات مفصّلة على المقاس، وهيئة انتخابية غير مستقلة
في عرضه المفصّل، تناول الأستاذ إبراهيم بلغيث ثلاثة محاور أساسية اعتُمدت كأسس قانونية للشكاوى:
١. المناخ ما قبل الانتخابي
أشار المحامي إلى تدهور مناخ الحريات في تونس، من خلال مراسيم رئاسية حلّت المجلس الأعلى للقضاء المنتخب، ومنحت الرئيس صلاحية عزل القضاة دون مسار تأديبي أو ضمانات المحاكمة العادلة، في انتهاك صارخ لمبدأ استقلالية القضاء.
كما سلّط الضوء على المرسوم ٥٤/٢٠٢٢ الذي استخدم لقمع الصحفيين والنشطاء وتكميم وسائل الإعلام، وفرض رقابة ذاتية على الخطاب العام.
٢. الإطار القانوني للانتخابات
اتهم بلغيث السلطات بتفصيل الإطار القانوني للانتخابات على مقاس السلطة، مع تغييب الرقابة القضائية والدستورية، بل وحتى تجاهل قرارات المحكمة الإدارية التونسية. كما أشار إلى تغييرات متأخرة وخطيرة على جدول الانتخابات واختصاصات الهيئات القضائية.
٣. أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
أكّد بلغيث أن الهيئة الانتخابية المعيّنة من قبل الرئيس فقدت كل مقومات الاستقلالية، بعد أن احتفظ الرئيس بصلاحية عزل أعضائها. وقد منعت الهيئة ترشّح عدد من الشخصيات المعارضة، ورفضت تنفيذ قرارات قضائية صادرة عن المحكمة الإدارية بإعادة بعض المرشحين إلى السباق الانتخابي.
اللجوء الدولي: عدالة استباقية واستعادة للكرامة
شدّد الأستاذ بلغيث على أن اللجوء إلى القضاء الدولي لا يُعد “تدخلًا أجنبيًا” كما يدّعي النظام، بل ممارسة مشروعة وضمن الآليات التي قبلت بها الدولة التونسية طوعًا. كما أكّد أن هذه الخطوة تمثل شكلًا من العدالة الانتقالية الاستباقية، لإعادة الاعتبار للضحايا، والضغط من أجل استعادة دولة القانون.
كما أعلن عن الطعن في قرار انسحاب تونس من إعلان المحكمة الإفريقية الذي يتيح للأفراد تقديم الشكاوى، معبّرًا عن أمله في صدور حكم يلغي هذا الانسحاب غير القانوني.
دعوة إلى التونسيين: لا تنتظروا العودة إلى الوراء
في ختام الندوة، وجّهت الجمعيات المشاركة دعوة صريحة لجميع ضحايا الانتهاكات في تونس إلى التوجه للمحكمة الإفريقية قبل حلول أفريل ٢٠٢٦، تاريخ انتهاء إمكانية تقديم الشكاوى الفردية.
رسالة هذه الندوة كانت واضحة:
“لن نصمت، ولن نستسلم. الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس مستمر، مهما كان الثمن، ومهما طال الطريق.”