ندوة حقوقية في جنيف تسلط الضوء على وضع حقوق الإنسان في تونس 2022.11.7

في 7 نوفمبر 2022، وعلى هامش الدورة 41 للاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نظّمت جمعيّة ضحايا التعذيب – جنيف بالتعاون مع منظّمة التضامن لحقوق الإنسان ندوة حقوقيّة تحت عنوان: “وضع حقوق الإنسان في تونس”. شكّلت هذه الفعالية محطة مهمة للمنظمات الحقوقية، والناشطين، وصنّاع القرار لعرض تقييم شامل ومفصل لحالة الحقوق والحريات في تونس، في إطار الاستعراض الدوري الشامل الذي تخضع له الدول الأعضاء كل أربع سنوات.

في هذا المقال، سنتناول تفاصيل الندوة، محاور النقاش الأساسية، أبرز المداخلات، الانتهاكات الموثقة، والتوصيات المقترحة، بالإضافة إلى تحليل للسياق السياسي والحقوقي في تونس، مما يمنح القارئ رؤية شاملة وموثوقة حول وضع حقوق الإنسان في البلاد.

ما هو الاستعراض الدوري الشامل (UPR)؟

الاستعراض الدوري الشامل هو آلية فريدة تابعة لمجلس حقوق الإنسان، تهدف إلى تقييم سجلات حقوق الإنسان لكل دولة عضو في الأمم المتحدة. يتم هذا التقييم كل أربع سنوات، ويُعد فرصة للدول لتقديم تقاريرها، والاستماع إلى ملاحظات وتوصيات الدول الأخرى، وأيضًا للمنظمات غير الحكومية لتقديم تقارير موازية.

بالنسبة لتونس، تُعد هذه الآلية فرصة لتقييم مدى التزامها بتعهداتها السابقة، واستعراض مدى احترامها لحقوق الإنسان في مختلف المجالات، من حرية التعبير إلى حقوق المرأة، ومن العدالة الانتقالية إلى محاربة التعذيب.

السياق السياسي في تونس قبل الندوة:

منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد تجميد البرلمان في يوليو 2021، دخلت تونس مرحلة سياسية غير مسبوقة، اتسمت بتزايد السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية. وقد أثار هذا التوجه مخاوف واسعة من تراجع المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.

ترافق هذا التراجع مع زيادة في الانتهاكات الحقوقية، بما في ذلك تضييق على الإعلام، محاكمات عسكرية للمدنيين، واعتقالات سياسية لعدد من المعارضين والناشطين.

أهداف الندوة الحقوقية في جنيف:

هدفت هذه الندوة إلى:

• تسليط الضوء على الانتهاكات الحقوقية في تونس خلال الفترة الأخيرة.

• تقديم تقارير موازية لتلك التي تقدمها الحكومة التونسية.

• عرض شهادات حية للضحايا والناشطين.

• الضغط على المجتمع الدولي لممارسة دور أكبر في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

• اقتراح توصيات ملموسة لتحسين واقع حقوق الإنسان في تونس.

أبرز الجهات المشاركة في الندوة:

شاركت في هذه الندوة منظمات حقوقية دولية وإقليمية ومحلية، من أبرزها:

• جمعية ضحايا التعذيب – جنيف: منظمة تعنى بتوثيق حالات التعذيب في الدول العربية، ودعم الضحايا.

• منظمة التضامن لحقوق الإنسان: مؤسسة ليبية تُعنى بحقوق الإنسان في العالم العربي.

• ممثلون عن هيئات أممية، ونشطاء من المجتمع المدني التونسي.

المحاور الأساسية للنقاش:

ركزت الندوة على عدة محاور رئيسية، أبرزها:

1. حرية التعبير والإعلام

تحدث المشاركون عن تزايد التضييق على الصحفيين، وتعرض عدد منهم لمحاكمات بسبب تقاريرهم أو آرائهم السياسية.

2. العدالة الانتقالية:

تم التأكيد على تعثر مسار العدالة الانتقالية بعد الثورة، خاصة فيما يتعلق بمحاسبة المتورطين في انتهاكات الماضي.

3. المحاكمات العسكرية للمدنيين:

نُدد باستخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة معارضين ونشطاء مدنيين، وهو ما يُعد خرقًا صريحًا لمعايير العدالة الدولية.

4. حقوق المرأة:

رغم القوانين المتقدمة نسبيًا، إلا أن العنف ضد المرأة ما زال مستشريًا، دون حماية قانونية كافية أو تطبيق فعّال.

5. حقوق المحتجزين والسجناء:

سلطت التقارير الضوء على انتهاكات داخل السجون، من تعذيب وسوء معاملة وظروف احتجاز سيئة.

شهادات الضحايا: صوت من الداخل

إحدى أبرز فقرات الندوة كانت عرض شهادات لضحايا التعذيب والاعتقال التعسفي. تحدث بعضهم، بأسماءهم أو بشكل مجهول، عن ما تعرضوا له من انتهاكات على يد الأجهزة الأمنية، من ضرب، تهديد، احتجاز دون إذن قضائي، وملاحقات قضائية على خلفيات سياسية.

هذه الشهادات لعبت دورًا هامًا في إيصال صورة واقعية ومؤلمة لما يحدث داخل البلاد، بعيدًا عن الروايات الرسمية.

تقييم دور الدولة التونسية:

على الرغم من أن الحكومة التونسية قدمت تقريرها الدوري، إلا أن المشاركين اعتبروا أن هذا التقرير يفتقد للمصداقية والشفافية، حيث أغفل العديد من القضايا الجوهرية، وتجنب الاعتراف بأي تراجع أو خروقات.

اتهمت بعض المنظمات الدولة بأنها تستخدم مؤسساتها القضائية والأمنية كأدوات قمع سياسي، وأنها غير جادة في تنفيذ التوصيات السابقة الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان.

التوصيات التي خرجت بها الندوة:

في نهاية الندوة، أصدرت الجمعيات والمنظمات المشاركة سلسلة من التوصيات، أبرزها:

• وقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

• ضمان استقلالية القضاء ورفع الضغوط عن القضاة.

• إطلاق سراح المعتقلين السياسيين فورًا.

• تفعيل آليات العدالة الانتقالية بشكل حقيقي.

• حماية حرية التعبير والصحافة.

• فتح تحقيقات مستقلة في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.

دور المجتمع الدولي:

دعت الندوة المجتمع الدولي، خصوصًا الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، إلى ممارسة ضغط أكبر على الحكومة التونسية لاحترام التزاماتها الحقوقية، وربط أي دعم مالي أو فني بتحقيق تقدم ملموس في ملفات حقوق الإنسان.

كما طُلب من المفوضية السامية لحقوق الإنسان تعزيز وجودها في تونس، وتكثيف مراقبتها لما يحدث على الأرض.

لماذا تعتبر هذه الندوة مفصلية؟

في ضوء تراجع الحريات والديمقراطية في تونس، شكلت هذه الندوة فرصة نادرة لتسليط الضوء على ما يتم تجاهله إعلاميًا ورسمياً. كما أنها تمثل منبرًا مستقلًا لصوت الضحايا، وتؤسس لخطاب حقوقي دولي داعم للشعب التونسي.

تُعد ندوة “وضع حقوق الإنسان في تونس” التي نظمتها جمعية ضحايا التعذيب – جنيف ومنظمة التضامن لحقوق الإنسان في جنيف، علامة فارقة في مسار الدفاع عن الحقوق والحريات في تونس. لقد كشفت عن هشاشة الوضع الحقوقي، ودعت إلى تدخل دولي فاعل يضمن التزام الحكومة التونسية بواجباتها.

في ظل التحديات المتزايدة، تبقى المسؤولية الأخلاقية والحقوقية على عاتق المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، وكل من يؤمن بحق الشعوب في الكرامة، الحرية، والعدالة.

حقوق الإنسان ليست ترفًا، بل ضرورة لا غنى عنها لأي مجتمع يسعى للاستقرار والكرامة.