في قلب العاصمة تونس، كان هناك حدث استثنائي لا يمكن تجاهله. معرض للصور واللافتات نُظم بهدف توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تونس منذ ما يُعرف بـ”انقلاب 25 جويلية 2021″. المعرض لم يكن مجرد عرض فني، بل كان صرخة صامتة تعبر عن معاناة العشرات، وربما المئات، من المواطنين الذين عاشوا لحظات القمع والظلم. تونس ما بعد 25 جويلية ليست كما كانت من قبل، وقد قرر نشطاء المجتمع المدني، الحقوقيون، وأهالي الضحايا أن يرفعوا صوتهم من خلال عدسات الكاميرات ولافتات الحقيقة.
25 جويلية 2021: نقطة تحوّل
في مساء يوم 25 يوليو 2021، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن تجميد البرلمان وحل الحكومة، متذرعًا بما وصفه بـ”الخطر الداهم” و”الفساد المتفشي”. بينما رآها البعض فرصة للإصلاح، اعتبرها آخرون انقلابًا على المسار الديمقراطي الذي بدأ بعد ثورة 2011. منذ ذلك التاريخ، بدأت سلسلة من الاعتقالات، المحاكمات السياسية، والملاحقات الأمنية التي طالت معارضين ونشطاء وإعلاميين.
:الفن كوسيلة مقاومة
اختار منظمو المعرض الفن كوسيلة مقاومة سلمية. عشرات الصور واللافتات كانت معلقة على الجدران، توثق لحظات من العنف البوليسي، قمع المظاهرات، محاكمات الرأي، وتكميم الأصوات الحرة. الزائر لا يستطيع المرور مرور الكرام؛ كل صورة تحمل قصة، وكل لافتة تصرخ بوجع شعب يبحث عن كرامته.
:صور تحكي المأساة
من بين أبرز الصور التي عُرضت، صورة لطفل يبكي أمام بيت والده المعتقل، وصورة لمُسِن تم جره في أحد الاحتجاجات وسط صيحات الغضب. هناك أيضًا صور لناشطين داخل الزنازين، لصحفيين حُجبت أقلامهم، ونساء صرخن “لا للديكتاتورية”. هذه الصور ليست فنية فقط، بل وثائق حية لمرحلة حساسة من تاريخ تونس.
:اللافتات: صوت الشارع
لا تقل اللافتات أهمية عن الصور. فقد كُتبت عليها شعارات ترفض الاستبداد، مثل:
-
“الحرية للمعتقلين السياسيين“
-
“لا ديمقراطية مع قضاء مسيّس“
-
“أوقفوا الاعتقال التعسفي“
-
“25 جويلية ليست إصلاحًا بل انحرافًا“
كل لافتة كانت بمثابة صرخة غضب ونداء للضمير الإنساني.
الوقفة الاحتجاجية: استمرار :الرفض
إلى جانب المعرض، نظمت مجموعة من النشطاء وقفة احتجاجية حاشدة ضد الانقلاب بداية من الساعة 15:00 أمام مقر الحكومة. الهتافات علت من كل الجهات، والمطالب كانت واضحة:
عودة المؤسسات الدستورية، استقلال القضاء، إطلاق سراح المعتقلين، وإجراء انتخابات حرة.
المحتجون لم يرفعوا فقط شعارات، بل رددوا أيضًا أسماء ضحايا القمع، في محاولة لتخليد ذكراهم أمام تجاهل السلطات.
:التنظيم والأمان
رغم التوتر الأمني الذي يحيط بكل نشاط معارض في تونس اليوم، جرى تنظيم المعرض والوقفة باحترافية عالية. المشاركون كانوا من مختلف الأعمار والانتماءات، وحضرت منظمات حقوقية لمراقبة الحدث وتوثيقه. وكان هناك حرص على عدم الانجرار لأي استفزاز، لتبقى الرسالة حضارية وسلمية.
:رسائل دولية من أرض المعرض
عدد من الصحفيين الأجانب والبعثات الدبلوماسية حضروا المعرض، ما أعطى الحدث بعدًا دوليًا مهمًا. الرسالة كانت واضحة: ما يحدث في تونس ليس شأنًا داخليًا فقط، بل هو اختبار حقيقي للضمير العالمي، خاصة في ظل تراجع واضح لمستوى الحريات.
:دور منظمات حقوق الإنسان
لعبت منظمات مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحامون بلا حدود دورًا محوريًا في توثيق الانتهاكات والمساعدة في تنظيم المعرض. قدموا شهادات حية، تقارير موثقة، ووثائق رسمية تُدين التعدي على الحقوق المدنية والسياسية بعد 25 جويلية.
:شهادات من قلب الألم
من اللحظات المؤثرة في المعرض، كانت مداخلات ذوي المعتقلين وضحايا القمع. تحدثوا عن معاناة لا توصف، عن ظلم فاق الخيال، وعن صمت دولي مؤلم. إحدى الأمهات قالت: “ابني ليس إرهابيًا، كل ما فعله أنه قال لا للقمع“. مشهد هز الحاضرين وأبكاهم.
:رسالة أمل رغم الألم
رغم كل القمع والظروف الصعبة، كان هناك شعور بالأمل داخل المعرض. الأمل في أن صوت الحق لا يموت، وأن الظلم لا يدوم. هذا الحدث أكد أن التونسيين لا يزالون متمسكين بثورتهم، بحريتهم، وكرامتهم، وأنهم مستعدون للدفاع عنها بكل الطرق السلمية الممكنة.
:ذاكرة لا تُمحى
يُعد هذا المعرض والوقفة المصاحبة له نقطة ضوء في زمن العتمة. فقد أسهما في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، ووضعها على طاولة النقاش المحلي والدولي. الفن أثبت مجددًا أنه ليس ترفًا، بل أداة مقاومة ووعي. واليوم، أصبحت هذه الصور واللافتات جزءًا من الذاكرة الجماعية لشعب لا يريد أن ينسى، ولا أن يُنسى.
تونس بعد 25 جويلية لن تكون كما قبلها، لكن الأمل باقٍ في عيون من يرفضون الصمت.
المقالات ذات الصلة
رحلة من القمع إلى العدالة: كيف تحدّت جمعيّة ضحايا التّعذيب الوزير عبد الله القلال؟ | AVTT
عادل الماجري نائب رئيس جمعية ضحايا التعذيب ضيف برنامج الحصاد 24 على قناة الزيتونة | AVTT
برنامج حصاد 24 يستضيف السيد عادل الماجري: نقاش حول قضايا حقوق الإنسان في تونس | AVTT
السيّد عادل الماجري نائب رئيس جمعيّة ضحايا التّعذيب ضيف قناة وطن 2023 | AVTT
برنامج حصاد 24 يستضيف السيد عادل الماجري: نقاش حول قضايا حقوق الإنسان في تونس | AVTT
الملتقى الإلكتروني الرابع لسفراء السلام مستقبل الأمة بين الالام و الامال | AVTT
الملتقى الإلكتروني الرابع لسفراء السلام مستقبل الأمة بين الالام و الامال | AVTT
النّدوة الحقوقية ضدّ الإفلات من العقاب والدّعوة لتحرير المساجين السّياسيّين بباريس | AVTT
خيمة اعلامية حقوقية تحسيسية للتضامن مع المعتقلين السياسيين في تونس | AVTT
اليوم الدّولي للتّضامن مع المعتقلين السّياسيّين والدّفاع عن دولة القانون والمؤسّسات في تونس | AVTT
معرض صور وخيمة اعلامية وحقوقية في ساحة الامم المتحدة بجنيف | AVTT
معرض صور وفعاليات إعلامية للمطالبة بالحرية لجميع المعتقلين السياسيين في تونس | AVTT
مظاهرة من أجل تونس: نجاح كبير بتعبئة قوية! | AVTT
مظاهرة من أجل تونس: نجاح كبير بتعبئة قوية! | AVTT
الإعلام الدولي يتفاعل مع تقرير جمعية ضحايا التعذيب | AVTT
الوقفة التضامنية: صوت الحرية أمام القنصلية التونسية في باريس | AVTT
الوقفة التضامنية: صوت الحرية أمام القنصلية التونسية في باريس | AVTT